الذهب والنقود الاسلامية
أولاً :
لقد جاءت المسكوكات الى مصر مع الفرس (525) ق.م) ثم مع الاسكندر (322) (ق.م) عند غزوهم لمصر، ومع ذلك فقد لقي الفرس والمقدونيون كما لقي البطالمة من بعدها صعوبة كثيرة في ترويج المسكوكات بين الناس، واقتصر التعامل بها على الجاليات الاجنبية وعلى الطبقات الثرية من المصريين، وربما رجع هذا العزوف عن استعمال المسكوكات الى ما كانت عليه مصر من المحافظة على القديم من ناحية، والى ندرة المسكوكات وضيق نطاق الاقتصاد النقدي في ذلك العهد من ناحية أخرى. يتضح مما سبق أن نظام التبادل القائم على المقايضة كانت تكتنفه مجموعة من الصعوبات فرضت قيداً على نطاق المعاملات التجارية، وفي هذا المجال نقول ان الرغبة في التغلب على صعوبات المقايضة حفزت الجماعات الانسانية الى اختيار سلعة من السلع الرئيسية لكي تلعب دور النقود والذي يستطيع أن يتصوره المرء أن هذه السلع التي وقع اختيار الجماعات عليها للقيام بوظيفية النقود لا بد أنها كانت تختلف من بيئة الى أخرى تبعاً لعوامل تميز البيئات المختلفة من النواحي الاقتصادية والاجتماعية كامكانية الحصول على هذه السلعة بكميات كافية ودرجة تمثيلها للثروات المعروفة في ذلك الحين كما أن اختيار مثل هذه السلع لا بد أن يكون قد خضع لاعتبارات تتصل بمحتوى التفكير وأذواق الجمهور وعاداته بالنسبة لاستخدام أدوات الزينة وطبيعة الشعائر الدينية فالتاريخ النقدي يذكر مثلاً أن الاغريق استخدموا الماشية كنقود بينما استخدم الهنود الحمر التبغ والصينيون استخدموا السكاكين. ويمكن ان نتصور ان الاحوال تطورت شيئاً فشيئاً حتى عم استخدام المعادن في صنع مسكوكات صيغت بأشكال معينة حتى يسهل تقدير كمية المعدن الذي تحويه هذه المسكوكات وبالتالي تحديد قيمة كل وحده منها بالنسبة لوحدة النقد أو وحدة التحاسب التي تواضع عليها أفراد مجتمع معين. ومن الممكن أن نتصور أن استعمال الجماعات المختلفة للمعادن كنقود لا بد أنه قد سلك طريقاً تطورياً. ففي وقت ما شاع البرونز والنحاس كمعادن نقدية ثم شاع بعد ذلك استعمال الفضة ولكن استخدام الذهب جاء في آخر حلقات هذا التطور. ومن الاسباب التي ادت الى تفضيل المعادن النفسية كالذهب والفضة في الاستعمال النقدي عن سائر السلع الاخرى هي تلك الصفات التي تمتع بها هذه الانواع من المعادن.
ثانياً :
ثالثاً:
الوحدة الثانية الذهب والفضة والنقود يستهدف الانسان في نشاطه الاقتصادي إشباع حاجاته المتعددة معتمداً في ذلك على ما يوفره لنفسه، أو ما يقدمه له غيره من افراد المجتمع من السلع والخدمات. وقد تميز تطور المجتمعات البشرية بتكاثر هذه الحاجات وتنوعها، وازدياد اعتماد الناس بعضهم على بعض في توفير ما يشبعها، وذلك باتساع نطاع التخصص وتقسيم العمل بين الافراد في انتاج ما يشبع به المجتمع حاجاته من السلع والخدمات. ولقد كان من الضروري بداهةً أن يستتبع اتساع نطاق تقسيم العمل والتخصص في الانتاج اتساع نطاق التبادل بين الأفراد إذ يؤدي التخصص من ناحية، إلى أن ينتج الفرد من السلعة التي تخصص بها، والعمل على انتاجها يومياً بكميات تفوق بكثير ما يلزم لسد حاجته منها. ومن ناحية أخرى يؤدي التخصص الى افتقار الفرد الى سائر السلع اللازمة لاشباع حاجاته الاخرى. فمن الواضح انه حيث يتخصص المرء في انتاج الاحذية مثلاً فان ما ينتجه منها خلال العام يتجاوز بمراحل كثيرة ما يلزم لسد حاجته إليها، في نفس الوقت الذي لا ينتج فيه شيئاً من ضروريات الحياة الأخرى. ومن هنا ارتبط اتساع نطاق التخصص باتساع نطاق التبادل حيث يستطيع الفرد ان يشبع حاجاته الى السلع والخدمات المختلفة عن طريق مبادلة ما تخصص في انتاجه مع ما ينتجه غيره من الأفراد، وسنرى فيما بعد كيف لم يكن مثل هذا التطور ممكناً لو لم يصاحبه تطور مقابل في استعمال النقود وادوات الإئتمان. ومع انه لا خلاف في أن الناس قد استعملوا النقود منذ فجر التاريخ، إلا انه لا ريب في أن المجتمع البشري قد عرف في بادىء الأمر نظام المقايضة (أي مبادلة الافراد للسلع بالسلع الخدمات مباشرة فيما بينهم. فقد تفي المقايضة باحتياجات اقتصاد بدائي دون ما ضرورة الى استعمال النقود. ولكن ما أن يرتقي الاقتصاد الاجتماعي ويتطور، حتى يتضح عجز المقايضة عن الوفاء باحتياجاته. وعندئذ ينتقل المجتمع مدفوعاً بضغط الحاجة الى استنباط وسيلة افضل لتداول
رابعا:
المصريون
القدامى من قيمة وزن معين من النحاس مقياساً مشتركاً للقيم على الرغم من أن النحاس
لم يستعمل بانتظام كأداة للوفاء، حيث كان الناس يتبادلون السلع والخدمات عن طريق
المقايضة أو يتخذون من القمح أو من الذهب والفضة وسائط للمبادلة ، وعندما عادت
معظم النظم النقدية الى إتخاذ الذهب مقياساً للقيم في اعقاب الحرب العالمية الاولى
ندر أن استعملت النقود الذهبية وسيطاً للمبادلة، واصبحت بديل عنه الاوراق النقدية
المعتمدة
خامساً :
>> الوحدة الثالثة الذهب
والنقود الاسلامية» حقق المسلمون الأوائل خلال القرنين الاول والثاني للهجرة
النبوية انتصارات باهرة شرق المعمورة وغربها وجنوبها وشمالها، فقد انتصروا على
الامبراطورية البيزنطية والمملكة الساسانية ومملكة القوط في الاندلس مما مكنهم من
السيطرة على معظم أرجاء العالم القديم المتحضر بما فيها البلدان الواقعة في حوض
البحر الأبيض المتوسط. وامتدت منطقة نفوذهم من جنوب فرنسا والاندلس غرباً إلى
الهند والصين شرقاً ومن القوقاز شمالاً الى الصحاري الواقعة في اواسط افريقيا
جنوباً. ولم تلبث اقطار هذه المنطقة الشاسعة بحكم تنوع السلع والمنتجات فيها، إن
شكلت سوقاً نشطة لتعامل تجاري لم يسبق له مثيل. وظهر هذا جلياً من الحركة الدائبة
لنقل كميات كبيره من البضائع عبر حدود تلك الاقطار، وبمواجهة متطلبات مثل هذا
الازدهار التجاري كان لا بد من توافر نقد مقبول وموثوق به ومن طرق مواصلات جيدة
لتسهيل انتقال البضائع بين الاقطار وتأمين وصول كميات كافيه من خامات المعادن الي
مراكز سك النقود. وقد استمر المسلمون بعد ظهور الاسلام في استعمال الدراهم
الساسانية الفضية والنقود البيزنطية من دنانير ذهبية ونقود نحاسية، وكانت تلك
العملات هي السائدة في العالم القديم كما انها لعبت دوراً هاماً فى الحياة
الاقتصادية للمسلمين الاوائل اذا بقيت في التداول أبان حكم الخلفاء الراشدين. وفي
بداية العهد الأموي ادخل الأمويون بعض التعديلات على النقد المتداول وسكت لاول مرة
دراهم جديدة كلمة درهم تعود في الاصل الى كلمة دراخما اليونانية). تحمل مأثورات
عربية اسلامية. وفي عهد عبد الملك بن مروان (65-85هـ / 685-70 م) خامس الخلفاء
الامويين تم اصدار نقد جديد يكاد يكون معرباً قلباً وقالباً ولقد حافظ الأمويون
على درجة عالية من نقاوة النقد حيث تراوحت نقاوة النقد في ذلك الوقت بين 96% و 98%
كما حصروا ضرب الدنانير الذهبية بدمشق. اما الدراهم فكان يسمح بضربها في مراكز
مختلفة مثل ایر شهر واذربيجان واصطخر وارمينيا والبصرة وواسط وبلخ وتفليس وتيمارة،
وتفاوتت درجة نقاوة النقد ايام الخلافة العباسية فكانت النقاوة عالية ابان قوة
الخلافة ووحدة امصارها 201