ماكينة الذهب
أولاً :
لقد جرى الاحتفاظ بالذهب بنسب مختلفة في ايام الفتن والثورات التي قام بها بعض الحكام المنشقين ضد بغداد عاصمة الخلافة وفي العهود الاسلامية المختلفة ساعد النقد الاسلامي علي تحصيل الضرائب التي كانت تشكل الجزء الاعظم من ميزانية الدولة وقد يشكل ذلك مدخلاً تقريبياً للتعرف علي ميزانية الدولة في اي عهد من العهود الاسلامية. ومن خلال دراسة المسكوكات الاسلامية يمكن الى حد ما تتبع تاريخ الحكومات والشعوب والتعرف علي مراكز السلطة والعلاقات بالدول المجاورة، وعلى الاحداث السياسية التي فصلت الولاة أو ربطتهم بالسلطة المركزية. فالنقود تحمل معها التاريخ والجغرافيا ودلالات السلطة السياسية علي عدة مستويات والالقاب ونعوت الابهة التي كان يحيط بها الحاكم نفسه ويظهر بواسطتها مكانته الاجتماعية سواء كان حاكماً شرعياً أو تابعاً أو منشقاً. كذلك فإن النقود الاسلامية قاموس للعبارات الدينية والآيات القرآنية المعتمدة في كل عصر وللالقاب المركزة على الاستعانة بالله، كالمتوكل والمنتصر والمقتدر والقاهر والمعتضد بالله، ولا تكاد تخلو أية مسكوكة من اسم الله حتى ولو كانت فلساً من نحاس. اما من الناحية الفنية فان الخطوط العربية الظاهرة علي المسكوكات مدرسة قائمة بذاتها من حيث تطور اشكالها حسب المراحل التاريخية وحسب البلدان والخطاطين ويمكن اعتبار تلك الخطوط والصور على المسكوكات موشراً فنياً لمراحل تطور الفنون الاسلامية في كل قطر ففي عهد عبد الملك بن مروان ظهرت صور نباتية وحيوانية وانسانية على قطع النقد المسكوكة. ثم اشتدت معارضة الفقهاء لاستعمال الصور فتوقف اظهارها مدة من الزمن، إلا انها ما لبثت ان عادت للظهور ثانية على مسكوكات السلجوقيين وبني ارتق والاتابكة والايوبيين وبدون ان تثير اية معارضة دينية من فقهاء تلك العهود. ونظراً لأن المسكوكات الاسلامية تشكل عنصراً مهماً ورئيسياً، من عناصر التراث الاسلامي والثقافة الاسلامية من الضروري دراسة تاريخ المسكوكات النقدية اصلها وانواعها، ومنابعها الاولى. يعود تاريخ سك النقود الى حوالي 2500 سنة مضت ويذكر المؤرخون أن الليديين في اسيا الصغرى والصينيون في جنوب شرق اسيا هم أول من ضرب النقود بطريقة بدائية وذلك في القرن السابع قبل الميلاد، ومن ليديا انتقلت هذه الصناعة تدريجياً الى اليونان وغيرها من دول حوض البحر الأبيض المتوسط ففارس والهند
ثانياً :
وقد
أخذ اليابانيون والكوريون هذه الصناعة عن الصينين القدماء. وفي القرن الثالث قبل
الميلاد باشر الرومان بسك النقد وتعتبر طرقهم المتقدمة في هذا المجال اساساً لعلم
السك الحديث. وعند ظهور الاسلام في اوائل القرن السابع تداول العرب النقود
الساسانية علي نطاق واسع ثم بدأوا يضربون نقوداً خاصة بهم وساهموا في تطوير صناعة
النقد وذلك في العهود الاسلامية المختلفة مما أشرنا اليه في متن هذا الكتاب. ومع
مرور الزمن انتشرت صناعة النقد في بقية بلدان العالم القديم ثم الي العالم الجديد
ان ظهرت دور السك في أمريكا الجنوبية والمكسيك في القرن السادس عشر وفي الولايات
المتحدة الامريكية وكندا في القرنين السابع عشر والثامن عشر. «تطور سك النقود» لكل
زمان ومرحلة معدات وادوات تصنيع تدل علي تلك المرحلة من مراحل الزمن، وهي تعكس مدى
التطور الحضاري والصناعي في تلك المرحلة وقد دلت الاثار القديمة المكتشفة على مدى
التطور والتقدم في اجزاء من العالم وقد عرفتنا هذه الآثار على كثير من طرق التصنيع
في ذلك الوقت ومنها سك العملة النقدية والادوات المستعملة في صنع النقود لفترات 1
- الطريقة القديمة (الضرب بالمطرقة) تعتمد هذه الطريقة على المطرقة من الوزن
الثقيل في طبع المسكوكة علي قوالب يتم صنعها من معدن الحديد، حيث يتم تهيأة قطع من
الحديد شبه مخروطية تتكون من قطعتين حيث توضع النقوش المعتمدة لوجهي العملة، ثم
قطعتي الحديد داخل فرن لتسخينها حتى الاحمرار بعد التسخين تسحب قطع الحديد شبه
المنخروطية من الفرن لوضع النقوش على قاعدة المخروط الحديدي بشكل معكوس وذلك
بواسطة قطع حديد صلبة مشابهة للمسامير باشكال محددة ويتم وضع النقوش بواسطة
المطرقة والمسامير الصلبة. بعد وضع النقوش بشكل معكوس على قطعتي قالب الحديد لوجهي
النقد يسخن القالب بشكل جيد ويغطس بعدها وهو ساخن في الماء ليأخذ شيئاً من
الصلابة، بعد ذلك ينظف القالب الحديدي بواسطة رمال ناعمة بالاحتكاك المستمر، وهذه
الطريقة تمثل عملية صقل 203
وجعله
ناعم الملمس لضمان نعومة ملمس وجهي النقد عند سكه في القالب. بعد تجهيز القالب
بشكل متكامل توضع قطعة معدن النقد من الذهب أو الفضة على قاعدة القالب التي تحمل
نقوش احد الوجهين بعد وضع القطعة المعدنية المحدد حجمها ووزنها بين قطعتي القالب
الذي يتضمن مواصفات مقلوبة لتلك التي يراد اظهارها على القطع كما موضح بالشكل ثم
يجري الطرق بالمطرقة فوق القالب العلوي بعد تثبيت الجزء السفلي من القالب فتظهر
المواصفات المطلوبة على القطعة المعدنية (ذهب أو فضة او نحاس) والجدير بالذكر ان
هذا الاسلوب في سك النقود رغم قدمه إلا انه يستخدم حالياً بنفس المبدأ ولكن بأدوات
متطورة سيجري بحثها لاحقاً. لقد وصف المؤرخ الشهير ابن خلدون هذه الطريقة القديمة
التي أخذ بها العرب منذ القرن السابع الميلادي وصفاً طريفاً السكة» هي الختم علي
الدنانير والدراهم المتعامل بها بين الناس بطابع جديد تنقش فيه صور أو كلمات
مقلوبة ويضرب بها على الدنانير او الدراهم فتخرج رسوم تلك النقوش عليها ظاهرة مستقيمة
بعد ان يعتبر عيار النقد من ذلك الجنس في خلوصه بالسبك مرة بعد أخري، وبعد تقدير
اشخاص الدنانير والدراهم بوزن معين يصطلح عليه فيكون التعامل بها عدداً وان لم
تقدر اشخاصها يكون التعامل بها وزناً». والليديون في آسيا الصغرى هم اول من استعمل
هذه الطريقة في عام 674 قبل الميلاد وكانت قطعهم النقدية عبارة عن مزيج طبيعي من
خامات الذهب والفضة (الكتروم)، التي تجمع من ضفاف الانهار بواسطة غربال صنع من
جلود الحيوانات، ومن ثم يتم غسلها وتوزيعها حسب الحجم المناسب للسك وأخرى للتصنيع،
فالاحجام المشابهة للاقراص تكون تقريباً بحجم ووزن القطع النقدية المطلوب ضربها .
وهذه القطع كانت مستطيلة بعض الشيء، وغير مستديرة تماماً، كما ان محيطها كان
خشناً. وفي عام 550 قبل الميلاد بدأ الليديون في عهد الملك كروسيس بضرب نقود من
الذهب الصافي أو الفضة الصافية. وقد استعمل هذه الطريقة ايضاً اليونانيون والفرس،
فضربوا نقوداً معدنية تحمل صوراً ثم استعملت الرومان ولهم يعود الفضل في تحديد
الوزن للقطع النقدية بدقة، وكانت قطعهم الاولى مصنوعة من البرونز، ثقيلة الوزن
بحيث كانت القطعة الواحدة تزن 273 غراماً وفي عام 229 قبل الميلاد قام الرومان بسك
الدينار الفضي وكان يزن 4,55 غراماً. 204